أذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (متى28 : 19)
اخى المحبوب /
المعمودية والعشاء الربانى هما الفريضتان اللتان وضعهما الرب يسوع وأوصى تلاميذه بممارستهما .فقد قال لتلاميذه : " أذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس " وهو بذلك يطلب من تلاميذه ان يقوموا باجراء هذه الفريضة على الدوام . وقد تنوعت الآراء بشأن أهمية العماد , وحقيقة المعمودية وكيفيتها, وفاعليتها, ونحن هنا نقدم ما نفهمه من تعاليم الكتاب المقدس عن المعمودية .
ان كلمة معمودية في اصلها اليوناني تعني غرق او غوص , وقد استخدمها اليونانيون ليصفوا السفينة وهي تغرق وبالتالي انها صورة للالتزام الذي نفعله تجاه الرب يسوع .انها صورة لأربعة امور تحدث مع المؤمن :
1- رمز الاغتسال من خطايانا السابقة حيث قال حنانيا لبولس في سفر الاعمال 22 : 16 " والآن لماذا تتوانى ,قم واعتمد واغسل خطاياك داعيا باسم الرب ."
2-رمز لدفن حياتنا الماضية حيث نقرأ في كولوسي 2 : 12 "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم ايضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الاموات ." ففي المعمودية "ندفن" تحت الماء كما دُفن المسيح ونقوم لحياة جديدة كما قام يسوع من بين الاموات .
3-رمز لارتباطنا مع جسد المسيح أي جميع المؤمنين باسمه . فعندما نعتمد نظهر اننا بدأنا حياة جديدة واصبحنا اعضاء في عائلة جديدة كما نقرأ في 1 كورنثوس 12 : 13:"لأننا جميعنا بروح واحد ايضا اعتمدنا الى جسد واحد ....
4-رمز الى ارتوائنا من روح الله القدوس وتشير الى ذلك نفس الآية السابقة من كورنثوس :" ...وجميعنا سُقينا روحا واحدا ."فالمعمودية تدفق علينا الماء كما نطلب ان يفيض علينا ومن خلالنا الروح القدس يوما بعد يوم .
ان في المعمودية اعلان روحي عظيم امام كل الحضور وامام انفسنا وكذلك امام كل اجناد الشر الروحية في السماويات ان يسوع المسيح هو سيد ورب على حياتنا , على كل زاوية وناحية منها . ماذا يعني ذلك؟
هذا ما يقوله الرب يسوع في انجيل يوحنا 12 : 26 "إن كان أحد يخدمني فليتبعني , وحيث اكون انا هناك ايضا يكون خادمي . وإن كان احد يخدمني يُكرمه الآب." وطالما اخبرنا يسوع ان ثمن اتباعه سيكون باهظا اذ يقول في انجيل لوقا 14 : 25-27 "إن كان أحد يأتي اليّ ولا يبغض أباه وامه وامرأته واولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه ايضًا فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا , ومَن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا " لكنه ايضًا وعدنا بأجر عظيم لنا اضعاف واضعاف في مرقس 10: 29,30 " ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا او حقولا لأجلي ولأجل الانجيل الا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات واولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الآتي الحياة الابدية ."
ولعل السؤال الاول والاهم ,هو عن حقيقة هذه المعمودية , فان الجواب عليه يحدد لنا الاتجاه فى باقى الاسئلة . تعريف المعمودية هو أنها فريضة وضعها الرب يسوع , يجرى فيها الغسل بالماء باسم الآب والابن والروح القدس,علامة وختما لتطعيمنا فى المسيح ونوالنا فؤائد عهد النعمة ومعاهدتنا على ان نكون للرب . فالمعمودية المسيحية تختلف عن معمودية اليهود ومعمودية يوحنا المعمدان .كان لليهود عدة شرائع للاغتسال قبل أداء الفرائض الدينية,وقد ظهرت هذه الشرائع بوضوح فى شريعة اللاويين(سفر الخروج 19 : 10 , لاويين 15:17 ) لكن هذه لم تكن تعتبر معمودية . كان اليهود يعمدون الدخلاء عند قبولهم الديانة اليهودية . ثم جاء يوحنا المعمدان يكرز قائلا:" توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات" وكان يعمد الناس عندما يقبلون اليه معترفين بخطاياهم على أساس رجاء مجىء المسيح المخلص .أما المعمودية المسيحية فهى فريضة وضعها الرب يسوع (علامة خارجية لبركة داخلية ) ,هى كون الانسان ضمن أولاد الله وتحت تأثير عمل الروح القدس وهى بذلك تختلف عن معمودية يوحنا المعمدان , لانها تشير لا الى مجرد غفران الخطايا والتوبة , بل الى الايمان بالمسيح المخلص .اما الدليل على ذلك فهو ان أبولس الاسكندرى عندما عمد اهل افسس بمعمودية يوحنا للتوبة قائلا للشعب ان يؤمنوا بالذى يأتى بعده اى بالمسيح يسوع .فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع (اعمال 19 : 3-5)
المعمودية اشارة فقط, بمعنى انها لا تتضمن النعمة التى تدل عليها, ولكنها تشير اليها. فالمعمودية لا تجدد الانسان, ولكنها تشير الى عمل الروح القدس فحسب .
W المعمودية والميلاد الثانى
ان الكتاب المقدس يؤكد لنا أن المعمودية اشارة فقط الى عمل الروح القدس كما كان الختان علامة ظاهرية تميز الشعب اليهودى فى القديم . ولنا على ذلك ادلة كثيرة :
ان التجديد من عمل الروح القدس فى الداخل, يأتى بالايمان الخلاصى ,بعمل الروح ولايتوقف ذلك على فريضة معينة يقوم بها انسان أيا كان . وما المعمودية الا اشارة وعلامة على التجديد ففى حالة الكبار الذين لم يولدوا من عائلات مسيحية عندما يؤمن الواحد منهم بالمسيح ,وتظهر ثمار ايمانه, يتعمد بعد ان يتجدد كعلامة لهذا التجديد, فهو يأتى بعد التجديد. قال بطرس لجمهور الشعب فى يوم الخمسين " توبوا وليعتمد كل واحد منكم "( اع 2 : 38) وقال فيلبس للوزير الحبشى الذى اراد ان يعتمد " ان كنت تؤمن من كل قلبك يجوز "(اعمال 8 :37)وعندما آمن كرنيليوس واهل بيتة بالمسيح وقبلوا الروح القدس , اندهش الحاضرون من المؤمنين لان موهبة الروح القدس انسكبت على الامم ايضا , فقال بطرس : " أترى يستطيع احد ان يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن ايضا "( اع 10 : 47 ) وفى كل هذه الادلة ما يوضح ان المعمودية ليست متضمنة لبركة الميلاد الثانى , وهى كالختان بالنسبة لليهود ,مجرد علامة خارجية , وقد قال بولس :" لانه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة "( غلاطية 5 : 6 )
ان الكتاب يبين لنا ان الايمان وحده هو الذى يخلص وعدم الايمان هو الذى يهلك "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص "( اع 16 : 31 )وفى مرقس 16 : 16 قال المسيح" من أمن واعتمد خلص,ومن لم يؤمن يدن " ولم يقل من لم يؤمن ولم يعتمد. وقد تأيد هذا عمليا فى العهد الجديد, فاللص التائب على الصليب نال الخلاص رغم انه لم يعتمد .وسيمون الساحر مع انه اعتمد لكنه أظهر ما يدل انه لم يكن مؤمنا حقيقيا.
ان المعمودية هى عبارة عن اغتسال ويمكننا ان نرى ان الماء ليس له شأن روحى فى موضوع الاغتسال وانما اشارة الى كلمة الله وعمل الروح القدس . قال اليشع لنعمان السريانى " اذهب واغتسل سبع مرات فى الاردن فيرجع لحمك اليك وتطهر "( 2 ملوك 5 : 10 ) وقال يسوع للأعمى "اذهب اغتسل فى بركة سلوام "( يوحنا 9 : 7 ) وقال حنانيا لشاول الطرسوسى الذى هو بولس " قم واعتمد واغسل خطاياك "( اع 22 : 16) وهنا نرى الماء فى الاردن والماء فى بركة سلوام , والماء فى المعمودية. فما علاقة الماء بالنتائج التى حدثت ؟
هل الماء هو الذى طهر البرص الذى هو اشارة الى الخطية الاصلية ؟ هل الماء هو الذى اعاد البصرالى الاعمى ؟ هل الماء فى المعمودية هو الذى اغسل خطايا بولس ؟ ..... كلا فليس السر فى الماء فى حد ذاته, فلو كان ماء بركة سلوام يعيد البصر ,لذهب اليه كل العميان ولو كان الماء فى نهر الاردن يطهر البرص لذهب اليه كثيرون ممن كانوا مصابين بهذا المرض فى ايام نعمان السريانى .
اذا ما السر ؟ السر كان فى الطاعة والايمان . فبركة سلوام لم يكن فيها خاصية تفتيح عيون العميان , كذلك مياه المعمودية ليس فيها اى سر البتة , بل هى اشارة ظاهرية لما يحدث بفعل الروح القدس فى حالة الايمان. فقد يتعمد الانسان بالماء ولايتعمد بالروح كسيمون الساحر , وقد يتعمد الانسان بالروح القدس قبل ان يتعمد بالماء مثل كرنيليوس وقد يتعمد الانسان بالروح القدس من بطن أمه كيوحنا المعمدان.
ان اجمل ما فى المعمودية اشارتها الرائعة الى عمل الله الذى يطهر المؤمنين ويغسل خطاياهم , الى تطعيم المتعمد فى المسيح , والى دخول كل من آمن واعتمد على اسم المسيح ضمن دائرة الكنيسة التى هى عروس المسيح المباركة . حينئذ نكون كالغروس النامية فى بيت الرب .
وها نحن فى انتظارالفادى والمخلص وهو وعد بانه يأتى عن قريب حيث ذهب لكى يعد لنا مكان هناك فى السماء وهو وعد عندما قال " ان احبنى احد يحفظ كلامى ويحبه أبى واليه نأتى وعنده نصنع منزلا .. سمعتم انى قلت لكم انا اذهب ثم آتى اليكم "( يوحنا 14 : 23 , 28 )
وهو يحذرنا قائلا " اسهروا اذا لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم "( مت 24 : 42 )
وسلام الله الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم فى
المسيح يسوع له كل المجد والكرامة من ألان والى الابد امين